كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



26- وقال جل وعز: {بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل} المعنى بل ظهر للذين اتبعوا الغواة ما كان الغواة يخفون عنهم من أمر البعث والقيامة لأن بعده {وقالوا ان هي الا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين} وقال بعض أهل اللغة ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه فيه شيء محذوف والمعنى ولو ردوا قبل أن يعاينوا العذاب لانهم لا يكفرون بعدما عاينوا وهذا القول مردود لأن الله جل ثناؤه أخبر عنهم أنهم يقولون هذا يوم القيامة وقد خبر جل وعز عن ابليس أنه كفر بعدما رأى وعنهم أنهم كفروا عنادا وايثارا للرئاسة.
27- وقوله جل وعز: {جاءتهم الساعة بغتة} البغتة الفجاءة يقال بغتهم الامر يبغتهم بغتا وبغتة.
28- ثم قال جل وعز: {قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها} الفائدة في نداء الحسرة وما كان مثلها مما لا يجيب أن العرب إذا أرادت تعظيم الشيء والتنبيه عليه نادته ومنه قولهم يا عجباه قال سيبويه إذا قلت يا عجباه فمعناه أحضر وتعال يا عجب فان هذا من أزمانك وإن فهذا أبلغ من قولك تعجبت ومنه قول الشاعر:
فيا عجبا من رحلها المتحمل

29- وقوله جل وعز: {وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم} واحد الاوزار وزر والفعل منه وزر يزر يراد به الاثم وهو تمثيل وأصله الوزر وهو الجبل ومنه الحديث في النساء اللواتي خرجن في جنازة فقال لهن: «ارجعن موزورات غير مأجورات» قال أبو عبيد والعامة تقول: مأزورات كأنه لا وجه له عنده لأنه من الوزر ومنه قيل وزير كأنه يحمل الثقل عن صاحبه.
30- وقوله جل وعز: {فانهم لا يكذبونك} هكذا روي عن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه أنه قرأ وهو اختيار أبي عبيد واحتج بأنه روي أن أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وسلم انا لا نكذبك ولكنا نكذب ما جئت به فأنزل الله عز وجل: {فانهم لا يكذبونك} وقد خولف أبو عبيد في هذا وروي {لا نكذبك} فأنزل الله جل وعز: {فانهم لا يكذبونك} ويقوي هذا أنه روي أن رجلا قرا على ابن عباس {فانهم لا يكذبونك} فقال له ابن عباس {فانهم لا يكذبونك} لانهم كانوا يسمون النبي صلى الله عليه وسلم الامين ومعنى {يكذبونك} عند أهل اللغة ينسبونك إلى الكذب ويروون عليك ما قلت.
ومعنى {لا يكذبونك} لا يجدونك كاذبا كما تقول أحمدته إذا وجدته محمودا ويجوز أن يكون معنى المخففه لا يبينون عليك أنك كاذب لأنه يقال أكذبته إذا احتججت عليه وبينت أنه كاذب حدثنا محمد بن جعفر الانباري حدثنا شعيب بن أيوب الواسطي عن معاوية بن هشام عن سفيان الثوري عن أبي اسحاق عن ناجية بن كعب عن علي قال قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم انا لا نكذبك ولكن نكذب ما جئت به فأنزل الله عز وجل: {فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} والقول في هذا مذهب أبي عبيد واحتجاجه لازم لأن عليا رحمة الله عليه هو الذي روى الحديث وقد صح عنه أنه قرأ بالتخفيف وحكى الكسائي عن العرب أكذبت الرجل أخبرت أنه جاء بالكذب ورواه وكذبته أخبرت أنه كاذب.
31- وقوله جل وعز: {فان استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء} قال قتادة النفق الشرب في الأرض والسلم الدرج وكذلك هو في اللغة ومنه النافقاء أحد جحر اليربوع.
قال أبو اسحاق والسلم مشتق من السلامة كأنه يسلمك إلى الموضع الذي تريد والمعنى ان استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية فافعل ثم حذف هذا لعلم السامع أي ليس لك من الامر شيء.
32- ثم قال جل وعز: {ولو شاء الله لجمعهم على الهدى} أي لاراهم كما آية تضطرهم إلى الايمان ولكنه أراد جل وعز أن يثيب من آمن منهم ومن أحسن ويجوز أن يكون المعنى لطبعهم على الايمان.
33- ثم قال جل وعز: {انما يستجيب الذين يسمعون} قال الحسن ومجاهد يراد به المؤمنون والمعنى الذين يسمعون سماع قبول.
34- ثم قال جل وعز: {والموتى يبعثهم الله} قال الحسن ومجاهد يراد به الكفار وقال غيرهما يراد به كل ميت.
35- وقوله جل جلاله: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه الا أمم أمثالكم} وأكثر أهل التفسير يذهب إلى أن المعنى أنهم يخلقون كما يخلقون ويبعثون كما يبعثون وكذلك قال أبو هريرة يحشر الله جل وعز يوم القيامة الطير والبهائم فيبلغ من عدله أن يأخذ من القرناء للجماء ثم يقول كوني ترابا فعند ذلك يقول الكافر {يا ليتني كنت ترابا} وقال مجاهد في قوله جل وعز: {الا أمم أمثالكم} قال أصناف لهن أسماء تعرف بها كما تعرفون ومعنى {يطير بجناحيه} على التوكيد لانك قد تقول طرت في حاجتي.
36- وقوله جل وعز: {قل أرأيتكم ان أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة} والمعنى أو أتتكم الساعة التي تبعثون فيها.
37- ثم قال جل وعز: {أغير الله تدعون ان كنتم صادقين}.
في هذا أعظم الاحتجاج عليهم لانهم كانوا يعبدون الاصنام فإذا وقعوا في شدة دعوا الله.
38- وقال جل وعز: {بل اياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه ان شاء} هذا مجاز والمعنى فيكشف الضر الذي من أجله دعوتموه وهو مثل {واسأل القرية} في المجاز.
39- وقوله جل وعز: {ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء} قيل البأساء الجوع والفقر والضراء نقص الاموال والانفس بالمرض والثمرات.
40- ثم قال جل وعز: {لعلهم يتضرعون}.
أي ليكون العباد على رجاء من التضرع.
41- ثم قال تعالى: {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا} أي فهلا وأعلم الله النبي أنه قد ارسل قبله رسولا إلى قوم بلغ من قسوتهم هو أن أخذوا بالبأساء والضراء فلم يتضرعوا.
42- وقوله جل وعز: {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء} قال مجاهد من رخاء الدنيا ويسرها والتقدير عند أهل اللغة فتحنا عليهم أبواب كل شيء كان مغلقا عنهم.
43- وقوله جل وعز: {فإذا هم مبلسون} قال أبو عبيدة المبلس الحزين النادم قال الفراء المبلس المنقطع الحجة.
44- وقوله جل وعز: {فقطع دابر القوم الذين ظلموا} الدابر في اللغة الآخر يقال دبرهم يدبرهم إذا جاء آخرهم وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود من الناس من لا يأتي الصلاة الا دبريا أي في آخر الوقت.
45- وقوله جل وعز: {قل أرأيتم ان أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من اله غير الله يأتيكم به} المعنى من اله غير الله يأتيكم بما أخذ منكم والهاء كناية عن المصدر فلذلك وحدت ويجوز أن يكون تعود على السمع مثل والله ورسوله أحق أن يرضوه.
46- ثم قال تعالى: {انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون} قال قتادة أي يصدفون عنها.
47- وقوله جل وعز: {قل أرأيتكم ان أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة} قال مجاهد البغتة أن يأتيهم فجاءة آمنين والجهرة أن يأتيهم وهم ينظرون.
48- ثم قال جل وعز: {هل يهلك الا القوم الظالمون} أي هل يهلك الا أنتم لانهم كفروا وعاندوا.
49- وقوله جل ثناؤه {وما نرسل المرسلين الا مبشرين ومنذرين} أي لم نرسلهم ليأتوا بالآيات المقترحات وانما يأتون من الآيات بما تظهر معه براهينهم وانما مذهبهم التبشير والانذار.
50- وقوله جل وعز: {قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب} هذا متصل بقوله جل وعز: {لولا نزل عليه آية من ربه} أي لا أقول لكم عندي خزائن الله التي يرزق منها.
ويعطي ولا أعلم الغيب فأخبركم بما غاب عنكم الا بوحي {ولا أقول لكم اني ملك} لأن الملك يشاهد من أمر الله جل وعلا ما لا يشاهد البشر.
51- وقوله جل وعز: {قل هل يستوي الاعمى والبصير} قال مجاهد يعني المسلم والكافر.
52- وقوله جل وعز: {وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم} أي بالقرآن وخص من يخاف الحشر لأن الحجة عليهم أوكد فان كان مسلما أنذر ليترك المعاصي وان كان من أهل الكتاب أنذر ليتبع الحق.
53- ثم قال جل وعز: {ليس لهم من دونه من ولي ولا شفيع} لأن اليهود والنصارى قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه.
54- وقوله جل وعز: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} قال سعد نزلت في ستة أنا وعبد الله بن مسعود وأربعة قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم {انا نستحيي أن نكون تبعا لهؤلاء} فأنزل الله عز وجل: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} إلى قوله: {أليس الله بأعلم بالشاكرين} قال مجاهد نزلت في بلال وعبد الله بن مسعود.
وقال غيره انما أراد المشركون بهذا أن يحتجوا على النبي صلى الله عليه وسلم لأن أتباع الانبياء الفقراء فطلبوا أن يطردهم فيحتجوا عليه بذلك فعصمه الله مما أرادوا منه.
55- وقوله جل وعز: {وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين} المعنى ولا تطرد الذين يدعون ربهم فتكون من الظالمين وما من حسابك من شيء فتطردهم على التقديم والتأخير.
56- ثم قال جل وعز: {وكذلك فتنا بعضهم ببعض} أي اختبرنا وابتلينا لأن الفقراء صبروا على الجهد مع فقرهم فكان ذلك أوكد على الأغنياء في الحجة.
57- ثم قال جل وعز: {ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا} أي ليقول الاغنياء.
58- وقوله جل وعز: {فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة} السلام والسلامة بمعنى واحد ومعنى سلام عليكم سلمكم الله في دينكم وأنفسكم والسلام أسم من أسماء الله جل وعز معناه ذو السلامة وقرأ الحسن وعاصم وعيسى {كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم} بفتحها جميعا فالاولى بدل من الرحمة والثانية مؤكدة مكررة لطول الكلام.
هذا مذهب سيبويه وقرأ أبو عمر والكسائي والاعمش وابن كثير وشبل بكسرهما جميعا والمعنى الاولى قال انه وكسر الثانية لانها مبتدأة بعد الفاء.
وقرأ أهل المدينة بفتح الاولى لانها تبيين للرحمة وكسروا الثانية لما تقدم.
59- وقوله جل وعز: {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين} المعنى على هذه القراءة ولتستبين يا محمد سبيل المجرمين فان قيل فقد كان صلى الله عليه وسلم يستبينها فالجواب عند الزجاج أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خطاب لامته بالمعنى ولتستبينوا سبيل المجرمين فان قيل فلم لم تذكر سبيل المؤمنين ففي هذا جوابان:
أحدهما أنه إذا استبينت سبيل المجرمين فقد استبينت سبيل المؤمنين والجواب الآخر أن يكون مثل قوله: {سرابيل تقيكم الحر} فالمعنى وتقيكم البرد ثم حذف وكذلك هذا يكون المعنى.
ولتستبين سبيل المؤمنين ثم حذف.
60- وقوله جل وعز: {قل اني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به} أي ما تستعجلون من اقتراح الآيات ويجوز أن يكون المعنى ما تستعجلون به من العذاب.
61- ثم قال جل وعز: {ان الحكم الا لله يقضي الحق} كذلك قرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبو عبد الرحمن السلمي وسعيد بن المسيب واحتج بعض من قرأ هذه القراءة بأن بعده {وهو خير الفاصلين} والفصل لا يكون الا في القضاء والحكم وقرأ ابن عباس ومجاهد والاعرج {يقص الحق} قال ابن عباس كما قال جل وعز: {نحن نقص عليك أحسن القصص} واحتج بعض من قرأ هذه القراءة بأنه في السواد بلا ياء قال ولو كانت يقضي لكانت بالحق وهذا الاحتجاج لا يلزم لأن مثل هذه الياء تحذف كثيرا وأما قوله لو كانت يقضي لكانت بالحق فلا يلزم أيضا لأن معنى يقضي يأتي ويصنع فالمعنى يأتي الحق.
ويجوز أن يكون المعنى يقضي القضاء الحق.
62- وقوله جل وعز: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو} جمع مفتح مفاتح وجمع مفتاح مفاتيح أي الوصلة إلى علم الغيب.
حدثنا محمد بن الحسن يعرف بابن بدينا قال حدثنا أبو مصعب الزهري قال حدثنا صالح بن قدامة الجحمي عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مفاتح الغيب خمسة لا يعلمها الا الله لا يعلم ما تغيض الارحام الا الله ولا يعلم ما في غد الا الله ولا يعلم متى يأتي المطر الا الله ولا تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت ولا يعلم متى تقوم الساعة الا الله جل وعز».
63- وقوله تعالى: {وما تسقط من ورقة الا يعلمها} المعنى أنه يعلمها سقطت أو لم تسقط كما تقول ما يجيئك أحد الا وأنا أعرفه فليس أنك لا تعرفه الا في حال مجيئه و(من) للتوكيد والدليل على أنها للتوكيد أن الحسن قرأ {ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين} أي الا يعلمه علما يقينا ويجوز أن يكون المعنى الا قد كتبه قبل أن يخلقه والله أعلم بما أراد فان قيل ما الفائدة عل هذا الجواب في كتبه وهو يعلمه فالجواب عن هذا أنه لتعظيم الامر أي اعلموا أن هذا الذي ليس فيه ثواب ولا عقاب مكتوب فكيف بما فيه ثواب وعقاب.
64- وقوله جل وعز: {وهو الذي يتوفاكم بالليل} أي ينيمكم فيتوفى الانفس التي تميزون بها كما قال الله عز وجل: {الله يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها}.
65- ثم قال جل وعز: {ويعلم ما جرحتم بالنهار} قال ابن أبي نجيح أي كسبتم ومعروف في اللغة أنه يقال جرح إذا كسب ومنه: {وما علمتم من الجوارح مكلبين}.